تهدف هذه الدراسة إلى تحديد الأسس القرآنية وحدود مشكلات التعددية، والتي تتمثل نقطة انطلاقها في البحث عن حل لمشكلة العيش معًا في المناطق الجغرافية للمجتمعات ذات اللغات والأعراق والثقافات والأديان المختلفة نفسها، وتهدف هذه الدراسة إلى تحديد بُعد الحكمة الإلهية للاختلاف. وبناءً عليه يؤكد القرآن، الذي يُعرِّف الاختلافات العرقية واللغوية والثقافية على أنها علامات (آيات) إلهية أنثروبولوجية، وأن هذه الاختلافات لا يمكن أن تكون سببًا لأي طبقة أو تمييز أو عدم مساواة بين الفئات الاجتماعية، ويولي اهتمامًا متكررًا لحقيقة أن جميع الناس يشتركون في الأصل البيولوجي نفسه. وينص القرآن الذي لا يعطي أي قيمة إضافية للاختلافات الأنثروبولوجية، على أن كل اختلاف يأتي إلى الوجود نتيجة للبناء الإلهي، وبالتالي لا يوجد خيار أو مساهمة بشرية في هذا المجال، ويبين بوضوح أن الظواهر غير "الانتقائية" لا يمكن أن تكون سببًا منطقيًا للتمييز بين البشر. وإجراء تمييز في مجال القيم "القابلة للاختيار"، مثل أي تخصص معياري؛ يميز بين الخير والشر والإيمان وعدم الإيمان، ونتيجة لذلك يقسم البشرية إلى مؤمنين وغير مؤمنين. فالقرآن الذي يحدد جميع الترتيبات الاجتماعية على أساس هذا التمييز الأساسي، كثيرًا ما يلفت الانتباه إلى حقيقة أن الإيمان هو مشكلة اختيار حر فردي تمامًا، بينما يؤكد الحرية الدينية في إطارها الأوسع، فقد وضع المبادئ الأكثر صحة وحقيقية للعيش مع غير المؤمنين، والتي يعرفها بـ "الآخرين". وبناءً على ذلك فإن العناصر غير المسلمة، إذا وافقت على العيش مع المسلمين بعقد، تكون حرة تمامًا وحرة في مجالاتها الدينية؛ وفي الحقوق والواجبات الاجتماعية، ويمكنهم العيش بطريقة متساوية مع المسلمين. ولما كانت هذه الطريقة التي طبقتها يد الرسول المباركة أثناء تشكيل المجتمع الإسلامي الأول، قد عاشت في جميع المجتمعات الإسلامية عبر التاريخ، فإن أساليب مثل المجازر والشتات، ومحاكم التفتيش، التي جعلت من المستحيل التعايش، لم تظهر في الجغرافيا الثقافية الإسلامية. وعليه لا توجد "حرب مقدسة" في الإسلام تهدف إلى إجبار "الآخر" على قبول دينه. ويُعرّف "الجهاد" الذي غالبًا ما يصفه الاستشراق على وجه الخصوص بـ "الحرب المقدسة"، أساسًا ليس على أنه فرض عقيدة على "الآخر"، ولكن على أنه القضاء على القوى أو الظروف التي تمنع الاختيار الحر للإرادة البشرية، ولا سيما فيما يتعلق بالدين.