إن لكتاب "تفسير القرآن الكريم" للملا صدر مكانة عالية من حيث العقل والنقل والكلام والتصوف والفلسفة، فقد ولد الملا صدر عام 979ه في شيراز في بيئة مشرقة ببنيتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية، وتلقى دروسًا من السيد محمد بكر استر آبادي (ت 1040/1631) المعروف باسم "مير داماد"، أحد الفلاسفة المسلمين في العلوم العقلية، واستفاد من أستاذه الشيخ بهاء الدين العامولي في العلوم النقلية، ولم يكتف بالعلم الذي تلقاه، فقد انسحب وقضى 15 عامًا في قرية كحك بالقرب من مدينة الفيوم، وهناك قدّم أعمالا معنوية، وأخرى فكرية هي نتائج هذه المرحلة، وبعد حوالي 15 عامًا عاد إلى شيراز وبدأ التدريس في المدرسة التي بناها فيردي خان، وبقي هناك حتى وفاته ودرّس علوما مختلفة، وكتب أكثر من أربعين مؤلفًا في مجالات التفسير والحديث والكلام والفقه والتصوف والفلسفة، فملا صدرا أعلن أنه نادم على قضائه سنوات طويلة في أفكار الفلاسفة وفي مناقشات المتكلمين، وبدأ في تفسير كلام الله بتوظيف علمه في فهم القرآن، واستطاع تفسير عشر سور وقليل من الآيات، ولم يستطع إدراك فكرة كتابة تفسير موسع لأن حياته لم تكن كافية، وتفسيره المكون من ثمانية مجلدات وهي غنية بتاريخ القرآن وعلوم القرآن والحديث والفقه والمعجم والبلاغة والتصوف والكلام والفلسفة، ولها مكانة مهمة بين التفاسير، وعلق الملا صدرا على تعدد تراتب المعاني في "تفسير القرآن الكريم"، أولًا بعد أن ذكر المعنى الظاهر للآيات فسرها بشكل باطني أيضًا، وعلى الرغم من كونه شيعيا، إلا أنه اتبع أسلوبا بعيدًا عن التعصب في تفسير، ولكونه فيلسوفا كان أحيانا تابعًا لطائفته "الجعفرية"، وفي بعض الأحيان كان يفكر بشكل مختلف، فقد امتدح الفلاسفة واقتبس منهم إلا أنه انتقد بشدة آراء علماء الكلام والمدارس الكلامية، واهتم المفسر بالتوافق بين الظاهر والباطن، وقد اشتمل تفسيره على روايات أهل السنة وروايات أهل البيت، وقد أعطى مكانًا للشعر والتلاوة، والإيقاعات والنحو، وفسر الآيات بما يتفق مع آرائه، تتكون رسالتنا من دراسة طريقة تفسير "تفسير القرآن الكريم" لأن الهدف منه فحص التأملات التي استخدمها أثناء تفسير القرآن، والكشف عن ثراء هذا العمل الذي تم إعداده باستخدام التفسيرات السنيّة والشيعية.